الكاتب: الأستاذة أحلام أبو الفر
نشر في: يوليو 20, 2025
مع انتهاء العام الدراسي، يغلق الطلبة كتبهم، ويغادرون الصفوف بابتسامات عريضة وتنهيدات طويلة: "أخيرًا... عطلة!". لكن السؤال الحقيقي الذي نطرحه هنا هو: هل يتوقف التعلم فعلاً خلال العطلة الصيفية؟
الواقع أن التعلم لا يتوقف أبدًا، لكنه يتنكر، يخلع زيه المدرسي، ويعود إلينا بهيئة لعبة، أو نزهة عائلية، أو حتى موقف بسيط في المطبخ أو السوق،فالعقل لا يعرف العطلات، وكل لحظة في الحياة يمكن أن تكون فرصة للتعلّم إذا ما أُحسن توجيهها.
خلال العطلة الصيفية، ينتقل الطفل من التعلم الرسمي داخل الصف، إلى التعلم غير الرسمي في البيت والشارع وبيئته المحيطة، قد يتعلّم كيف يصنع كعكة مع والدته، أو كيف يصلح دراجته مع والده، أو يكتشف قصة شيقة في كتاب اختاره بنفسه. تعتبر هذه التجارب مهمة؛ لأنها تحدث في سياق طبيعي ماتع، كما أنها تُنمي مهارات للفكر عالية مثل التفكير النقدي، وحل المشكلات، والتعلم الذاتي.
فجوة الصيف
تشير دراسات تربوية إلى ما يُعرف بـ "فجوة الصيف"، وهي التراجع الذي يحدث في بعض المهارات الأكاديمية لدى الأطفال، خاصة في القراءة والرياضيات، بسبب الانقطاع الطويل عن التعلم المنظّم. ولهذا، فإن دور الأسرة يصبح حيويًا، ليس لاستبدال المدرسة، بل لخلق بيئة غنية بالتجارب، ومليئة بالمحفزات تبقي عقل الطفل في حالة نشطة من الاستكشاف والفضول،وتساعده على البقاء متصلا بممارسات التعلم ومهارات الكتابة والقراءة والحساب الأساسية.
أنشطة مبتكرة تزيد الاستمتاع بالصيف:
حتى نحافظ على روح التعلم بطريقة ممتعة، يمكن للعائلة أن تبتكر أنشطة بسيطة تغني أيام الصيف، وتزيد متعة الأبناء، القراءة مثلاً لا تحتاج إلى جدول صارم، بل يمكن أن تتحول إلى لحظة دافئة قبل النوم، حيث يختار الطفل قصة تثير خياله، ويقرأها بصوته، أو يشارك والديه في قراءتها. كما أن المطبخ، برائحته وفضوله، قد يكون مساحة تعليمية غنية؛ فالطفل يتعلم الأوزان والقياس والتخطيط حين يساعد في إعداد وصفة طعام خاصة،أما الرحلات القصيرة، كزيارة متحف صغير أو مكتبة عامة، فهي تفتح آفاقًا جديدة وتمنح الطفل فرصة لطرح الأسئلة واستكشاف العالم خارج إطار المنهاج. ويمكن للتكنولوجيا أيضًا أن تكون حليفًا إذا أحسنّا توجيهها، وذلك عبر تطبيقات تعليمية تدمج بين اللعب والمعرفة، أو فيديوهات وثائقية قصيرة تغذي فضوله تجاه الطبيعة أو الفضاء أو الاختراعات. ولا ننسى أهمية الأنشطة اليدوية والفنية، فهي ليست فقط وسيلة للترفيه، بل فرصة للتعبير عن الذات، وتنمية الحس الجمالي والدقة. وقد تكون زراعة نبتة صغيرة أو ترتيب غرفة اللعب مشروعًا صيفيًا متكاملاً، يعزز الاستقلالية والشعور بالإنجاز.
نصائح لنجاح التعلم في العطلة الصيفية:
لكي ينجح التعلم خلال العطلة الصيفية، من المهم أن يكون نابعًا من فضول الطفل، لا من الإلحاح أو الفرض. وهنا تظهر أهمية ترك مساحة للطفل ليختار ما يحب، ومشاركته متعة التجربة بدلًا من مراقبته كطالب. لا بأس أن يُخطئ، فالتعلم الحقيقي غالبًا ما يبدأ من الخطأ، لذلك لا بد أن تُنشئ العائلة روتينًا يوميًا مرنًا يحتوي على وقت للقراءة، ووقت للعب الحر، ووقت للنشاطات العائلية،مع الابتعاد عن البرامج المكثفة أو الجداول الصارمة والاعتماد على البيئة المحيطة: رحلة إلى السوق قد تُعلم الطفل الحساب، ومكالمة مع الجدّ قد تُنمّي مهارات الاستماع والسرد. والأهم من ذلك كله هو أن يرى أبناؤنا أن التعلم ليس مهمة مدرسية، بل أسلوب حياة، وأن السؤال والدهشة هما البداية الحقيقية لأي مغامرة معرفية.
لعلّ أجمل ما في التعلم الصيفي أنه تلقائي وطبيعي ، وفي المقابل عميق الأثر، وبينما نحن نظن أن أطفالنا في "استراحة"، هم في الحقيقة يبنون مهاراتهم، ويكتشفون ذواتهم، ويصقلون تجاربهم لحظة بلحظة.